حقوق مؤجلة.. كيف يدفع العمال الموسميون ثمن أعياد الكريسماس؟

حقوق مؤجلة.. كيف يدفع العمال الموسميون ثمن أعياد الكريسماس؟
أجواء الكريسماس

تعد العمالة الموسمية في قطاعي الخدمات والتجزئة أحد الأعمدة الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد في موسم الكريسماس، حيث تتزايد الحاجة إلى العمالة المؤقتة لتلبية الطلب المتزايد على السلع والخدمات، وعلى الرغم من هذا الدور الحيوي، فإن هذه الفئة تواجه العديد من التحديات التي تتراوح بين قضايا حقوقية، واقتصادية، واجتماعية، ما يعكس قصورًا في السياسات التي تحمي العمالة المؤقتة وتضمن حقوقها.

وأشار تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية (ILO) لعام 2023، إلى أن العمال الموسميين يشكلون نحو 20% من القوة العاملة في قطاع التجزئة خلال موسم الكريسماس في الأسواق الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا، وتصل الزيادة في الطلب على السلع والخدمات إلى 35% مقارنة بالأشهر العادية، مما يعكس حجم الاعتماد الكبير على هذه الفئة. 

ورغم هذه الأهمية، يعاني العديد من هؤلاء العمال من ظروف عمل قاسية، حيث كشفت دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد أن 62% من العمال الموسميين يعملون لساعات طويلة تتجاوز 10 ساعات يوميًا دون تعويض عادل.

فجوة الأجور وظروف العمل

من الناحية الاقتصادية، تكشف التقارير عن فجوة كبيرة في الأجور بين العمال الموسميين وزملائهم الدائمين، إذ يتقاضى العمال الموسميون أجورًا أقل بنسبة 25% عن الموظفين الدائمين الذين يؤدون نفس المهام الوظيفية، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة "Eurofound" لعام 2023، كما أن العقود المؤقتة التي يوقعها هؤلاء العمال تفتقر إلى المزايا الأساسية مثل التأمين الصحي والإجازات المدفوعة، مما يجعلهم أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية والصحية.

وفي ما يتعلق بالحقوق، يبرز انعدام الاستقرار الوظيفي كأحد أبرز التحديات. وفقًا لدراسة صادرة عن منظمة العمل الدولية، يشعر 48% من العمال الموسميين بعدم الأمان الوظيفي، مما يسبب لهم ضغطًا نفسيًا ويؤثر على إنتاجيتهم، ويشير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى حق كل فرد في العمل بشروط عادلة، وهو ما يفتقر إليه العمال الموسميون الذين يواجهون ظروف عمل غير مستقرة.

الاستغلال في بيئة العمل

تشير تقارير حقوق الإنسان إلى تعرض العمال الموسميين للتحرش والاستغلال في بيئة العمل، وبينت دراسة أصدرتها "Human Rights Watch" في ديسمبر 2022 أن 36% من العمال الموسميين في قطاع التجزئة تعرضوا لشكل من أشكال التحرش أو الإساءة، سواء من العملاء أو المديرين، ما يشير إلى غياب آليات الحماية والمراقبة التي تضمن بيئة عمل آمنة، ما يجعل هؤلاء العمال أقل ميلًا للإبلاغ عن هذه الانتهاكات خوفًا من فقدان وظائفهم.

ومن الناحية الاجتماعية، يعاني العمال الموسميون من صعوبة في التوازن بين العمل والحياة الشخصية، خاصة خلال موسم الأعياد، وكشفت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد في عام 2023 أن 54% من هؤلاء العمال يواجهون صعوبة في إدارة وقتهم بين العمل والالتزامات الأسرية، ما يعرضهم للإرهاق الجسدي والنفسي.

وتواجه العمالة الموسمية تحديات نقابية كبيرة، حيث يشير تقرير صادر عن "اتحاد النقابات الدولية" (ITUC) إلى أن 78% من العمال الموسميين لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية النقابية. 

وعلى صعيد التكنولوجيا، يواجه العمال الموسميون تحديات مرتبطة بالتحول الرقمي في قطاعي الخدمات والتجزئة، حيث يجد الكثير منهم أنفسهم مطالبين بتعلم مهارات جديدة دون الحصول على التدريب الكافي، مما يقلل فرصهم في الحصول على وظائف مستدامة.

تحديات خاصة بالنساء

تشير التقارير إلى أن النساء يشكلن 60% من العمال الموسميين في قطاع التجزئة خلال موسم الأعياد، إلا أنهن يواجهن تحديات مضاعفة، مثل التمييز في الأجور والمعاملة، بالإضافة إلى زيادة خطر التحرش، وتبرز هذه القضايا الحاجة إلى سياسات شاملة تأخذ في الاعتبار البعد الجندري وتمكين النساء في بيئة العمل.

ومن الناحية القانونية، تشير المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى ضرورة توفير ظروف عمل عادلة وآمنة، وهو ما لا يتمتع به العمال الموسميون بسبب طبيعة عقودهم المؤقتة، وتشير تقارير إلى أن 43% من العقود المؤقتة لا تلتزم بالمعايير الدولية للعمل، مما يعكس الحاجة الماسة إلى تعزيز التشريعات لحماية هذه الفئة.

ورغم كل هذه التحديات، توجد فرص لتحسين وضع العمالة الموسمية من خلال اتخاذ خطوات جادة لمعالجة المشكلة الهيكلية التي تواجهها، مثل تعزيز برامج التدريب والتأهيل وتطوير سياسات تضمن الأجور العادلة والحماية الاجتماعية، ويمكن للنقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني أن تلعب دورًا أكبر في تمثيل هؤلاء العمال والدفاع عن حقوقهم.

حقوق عمالة الكريسماس

قالت خبيرة حقوق الإنسان والبرلمانية المغربية، فاطمة خير، إن العمالة الموسمية في قطاع الخدمات والتجزئة تواجه خلال موسم الكريسماس تحديات معقدة تتطلب معالجة حقوقية شاملة ومنصفة، هذه التحديات لا تتعلق فقط بظروف العمل غير العادلة، بل تمتد لتشمل انتهاكات لمبادئ أساسية من حقوق الإنسان، مما يستدعي تسليط الضوء على الجوانب المختلفة لهذه القضية من منظور حقوقي محايد ومدعوم بالمعايير الدولية، حيث إن أكثر من نصف العمال الموسميين يفتقرون لعقود عمل مكتوبة، ما يعرضهم لاستغلال اقتصادي واجتماعي، هذا الوضع ينتهك المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تؤكد ضرورة توفير ظروف عمل عادلة ومجزية للجميع.

وتابعت فاطمة خير، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن تحدياً آخر يكمن في ساعات العمل الطويلة التي تتجاوز المعايير المعتمدة دولياً، حيث إن متوسط العمل يصل إلى 60 ساعة أسبوعياً، وهو ما يعد انتهاكاً لحق العمال في الراحة، المادة 24 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص بوضوح على حق العمال في التمتع بأوقات راحة كافية، وعدم الامتثال لهذا المبدأ يؤثر سلباً على الصحة الجسدية والنفسية لهؤلاء العمال، خاصة مع غياب وسائل الحماية الصحية في مواقع العمل، كما يعاني العمال الموسميون من تدني الرواتب، التي لا تتناسب مع جهودهم أو تكاليف المعيشة في العديد من الدول، كما أن الفجوة الجندرية في الأجور تفاقم من هذه المشكلة، إذ تشير الإحصائيات إلى أن النساء اللاتي يشكلن غالبية هذه العمالة يتقاضين أجوراً أقل مقارنة بزملائهن الذكور في أدوار مماثلة.

وقالت إن العمال الموسميين يفتقرون إلى أي تغطية تأمينية، سواء صحية أو اجتماعية هذا الوضع يزيد من هشاشتهم الاقتصادية، ويضعهم في مواجهة مخاطر إضافية، خاصة في حالة المرض أو الحوادث المهنية، هذا الانتهاك يتناقض مع المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حق كل فرد في التمتع بالضمان الاجتماعي.

واسترسلت، أن التحديات لا تقتصر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل تتجاوزها إلى قضايا تتعلق بالكرامة الإنسانية، في كثير من الحالات، تُفرض على العمال الموسميين سياسات رقابة صارمة، مثل المراقبة بالكاميرات في أماكن العمل، في ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحق الخصوصية المنصوص عليه في المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هذه الممارسات لا تخلق بيئة عمل صحية فحسب، بل تكرس شعوراً مستمراً بالتوتر وانعدام الثقة بين العمال وأرباب العمل.

ومن ناحية الصحة النفسية، أكدت أن العمال الموسميين يعانون من ضغوط نفسية شديدة ناجمة عن توقعات الأداء العالية والضغط لتحقيق أهداف المبيعات خلال فترة قصيرة.

واقترحت لمواجهة هذه التحديات ضرورة اتخاذ خطوات عملية تشمل تعزيز الإشراف على عقود العمل الموسمية لضمان مطابقتها للمعايير الدولية من المهم أيضاً تعزيز الوعي بحقوق العمال من خلال حملات تثقيفية تستهدف الفئات الأكثر عرضة للاستغلال، مثل النساء والشباب، علاوة على ذلك يتعين على الحكومات تحسين آليات الحماية الاجتماعية لضمان حصول العمال الموسميين على تأمين صحي واجتماعي يغطيهم خلال فترة العمل وما بعدها.

وقالت إن موسم الكريسماس يمثل اختباراً للقيم الإنسانية والحقوقية التي تنادي بها المجتمعات الحديثة، فتحسين ظروف العمالة الموسمية ليس فقط واجباً أخلاقياً، بل هو أيضاً عامل أساسي لتحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، فلا يمكن أن يكون موسم الفرح والمشاركة فرصة للبعض، بينما يظل آخرون يعملون في ظروف غير إنسانية لتأمين هذا الفرح، فتحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب إرادة جماعية من الحكومات، وأصحاب العمل، والمجتمع المدني، لضمان أن تكون حقوق الإنسان قاعدة غير قابلة للتفاوض في كل الأوقات والمواسم.

إصلاح تشريعي شامل

وقال أستاذ القانون بجامعة المنيا، حشمت محمود، إن قضايا العمالة الموسمية في قطاع الخدمات والتجزئة خلال موسم الكريسماس من المشكلات التي تتطلب معالجة تشريعية دقيقة ومتماسكة، تأخذ في الاعتبار تعقيدات العلاقة بين العامل وأصحاب العمل؛ يشهد هذا الموسم ارتفاعًا كبيرًا في الطلب على العمالة المؤقتة، ما يؤدي إلى تزايد المخاطر التشريعية المرتبطة بضمان حقوق هؤلاء العمال في ظل بيئة عمل غالبًا ما تكون مرهقة وغير مستقرة، وإحدى أبرز القضايا التشريعية يتمثل في غياب إطار قانوني موحد ينظم العمالة الموسمية في العديد من الدول رغم أن المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تنص على ضرورة ضمان ظروف عمل عادلة ومجزية، إلا أن تطبيق هذا النص يتعثر بسبب غياب قوانين وطنية واضحة تغطي العمالة الموسمية. 

وتابع محمود، في تصريحات لـ"جسور بوست": هذا القصور يفتح المجال لاستغلال العمال الذين لا يمتلكون في كثير من الأحيان عقودًا رسمية أو وثائق قانونية تحفظ حقوقهم. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 50% من العمال الموسميين يعملون دون تغطية قانونية، ما يعرضهم لانتهاكات تشمل التأخير في دفع الأجور أو الفصل التعسفي.

واسترسل، من المعضلات التي تواجه هذه الفئة هي الأجور، والمادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تشدد على حق الجميع في أجر متساوٍ للعمل المتساوي، مع ذلك يواجه العمال الموسميون فجوة كبيرة في الأجور مقارنة بالعاملين الدائمين، بل وغالبًا ما يتم حرمانهم من الامتيازات المرتبطة بالوظائف الثابتة مثل الحوافز أو مكافآت العطلات، كذلك تتجاهل العديد من القوانين توفير ضمانات اجتماعية أو صحية للعمال الموسميين، فيما تلزم المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الدول بتوفير الضمان الاجتماعي للجميع، بمن في ذلك العمال المؤقتون، ومع ذلك يظل العمال الموسميون عرضة للإصابة أو المرض دون وجود شبكة أمان قانونية توفر لهم الرعاية الصحية أو التعويض المالي عن فقدان القدرة على العمل.

وقال إن الوضع الحالي يتطلب إدخال تعديلات تشريعية تضمن شمول العمال الموسميين ضمن أنظمة الضمان الاجتماعي الوطنية، ويمثل الحق في الخصوصية قضية ملحة، كما أن خصوصية العمال الموسميين تُنتهك في بعض الأحيان من خلال المراقبة المفرطة أو مطالبتهم بتقديم بيانات شخصية دون ضمانات لحمايتها.

وتابع: لا بد من الإشارة إلى التحديات المرتبطة بتوافر آليات فعالة للشكوى، فكثير من العمال الموسميين يواجهون صعوبات في الوصول إلى العدالة بسبب نقص الموارد أو تعقيد الإجراءات القانونية، فالمادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص على أن لكل فرد حق اللجوء إلى محكمة مختصة للحصول على تعويض فعال في حال انتهاك حقوقه، لذلك يتعين على الدول تبسيط الإجراءات القانونية وتوفير الدعم القانوني المجاني للعمال الموسميين لضمان إمكانية حصولهم على العدالة.

وأتم: تعتبر التحديات التشريعية المرتبطة بالعمالة الموسمية خلال موسم الكريسماس انعكاسًا لحاجة ملحة إلى تطوير أطر قانونية تعزز حقوق هذه الفئة، فتحقيق العدالة يتطلب التعاون بين الحكومات، والنقابات العمالية، ومنظمات حقوق الإنسان لضمان أن تكون التشريعات شاملة وفعالة، بما يكفل الحماية الكاملة للعمال الموسميين ويمنع أي انتهاك لحقوقهم الأساسية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية